تتناول بوابة الهدف الإخبارية كتاب المفكر الفلسطيني العربي غازي الصوراني عن قطاع غزة من 1948_ 1993. عبر حلقات متتالية.
مقدمة:
الهدف من إعداد هذه الدراسة استعراض الأحوال الاجتماعية والسياسية في قطاع غزة منذ عام النكبة 1948 وحتى عام 1957، من منطلق أن القطاع هو جزء لا يتجزأ من فلسطين، وأن الحديث عنه - في هذا المجال أو غيره – هو تأكيد لهذه العلاقة التاريخية والجغرافية والسياسية والتراثية بكل جذورها وتفريعاتها.
لقد ظل قطاع غزة منذ عام 1948 وحتى اليوم الجزء الوحيد الذي بقي يحمل (رسمياً) اسم فلسطين، وقد كان حلم المخطط الصهيوني والقيادة الإسرائيلية تصفية القطاع كمقدمة لتصفية القضية الفلسطينية برمتها، إضافة إلى ذلك فإن مواطني القطاع الذين يبلغ تعدادهم اليوم أكثر من 1.6 مليون مواطن ينتمون إلى كل مدن وقرى فلسطين من صفد والجليل إلى يافا وعكا وحيفا على الساحل إلى اللد والرملة وجنين وطولكرم ونابلس و القدس وبئر السبع ومعظم القرى الفلسطينية..
ان شعبنا الفلسطيني رغم كل ما لحق به من أشكال التشرد والمعاناة والحرمان واللجوء والتشتت من جهة والصراعات على السلطة والمصالح التي كرسها الانقسام واستمرار الصراع بين حكومتي رام الله وغزة غير الشرعيتين من جهة اخرى، اثبت في كل محطات الصراع، طوال الخمسة وستين عاماً الماضية، انه أقوى من كل المخططات والممارسات العدوانية التي استهدفت تفكيكه وتشريده وتحطيم شعوره العميق بهويته الوطنية والقومية، وحرصه الدائم على حمايتها وامتدادها في كل الأجيال، إذ أن ما جرى لشعبنا وحركته الوطنية طوال التاريخ المعاصر من محاولات التصفية أو الطمس لهويته وأهدافه الوطنية المشروعة، في العودة وتقرير المصير والحرية في فلسطين التاريخية، لم تنجح أبدا في تحطيم الإجماع الذاتي في أوساط شعبنا على الالتفاف الطوعي والعفوي حول الفكرة الوطنية التوحيدية المركزية في ذهنيته وممارساته السياسية، بل على العكس، فقد كان من أهم نتائج تلك الممارسات العدوانية، انها راكمت وبعمق مشاعر الحقد الوطني والطبقي في أذهان شعبنا ضد كل أشكال العدوان والاستبداد والاضطهاد والحرمان، التي تعرض لها من العدو الإسرائيلي، و ضد قطبي الانقسام ، وضد مختلف المصادر والقوى العربية والدولية المعادية، بالرغم من توزع أبناء شعبنا، في الجغرافيا الفلسطينية والعربية والدولية، عبر مجتمعات وعلاقات اجتماعية تختلف باختلاف الجغرافيا أو أماكن اللجوء والشتات، ومن هذه الزاوية لا نستطيع القول ان هناك مجتمعاً موحداً ينضوي في إطاره كل أبناء شعبنا، بل هناك مجتمعات يتمايز كل منها على الآخر بسمات تعود إلى طبيعة وظروف تطور تلك المجتمعات والعلاقات الاجتماعية الخاصة بها، وهنا يمكن الإشارة إلى هذا التمايز بين الواقع الاجتماعي/ الاقتصادي للفلسطينيين في فلسطين 1948، وبين كل من الفلسطينيين في مجتمعي الضفة والقطاع والتجمعات الفلسطينية في البلدان العربية والأجنبية.
وفي هذا السياق نقول، ان التباين بين سمات وخصائص هذه التجمعات ومجتمعى الضفة والقطاع (بحكم الانقسام) لا يلغي حقيقة الوحدة السياسية والاجتماعية لأبناء شعبنا الفلسطيني الذين يشكلون اطاراً وطنياً توحده الاهداف السياسية الكبرى -رغم توزع وتشتت المكان – توحده عناصر واسباب المعاناة والقهر والاستغلال والاستبداد التي تمثل عاملاً توحيدياً معنويا وماديا مشتركاً لمعظم ابناء شعبنا.
إذن فالحديث عن قطاع غزة الفلسطيني لا يعني على الإطلاق اختلاف طبيعة الأهداف أو النضال فيه عن أي موقع آخر في اللد والرملة وحيفا أو النقب أوالخليل او نابلس أو القدس.. بل هو امتداد لتلك الأهداف النضالية التي توحد شعبنا في الداخل وفي المنافي من أجل استمرار النضال التحرري والديمقراطي وتحقيق الهدف الاستراتيجي في إقامة دولة فلسطين الديمقراطية في إطار المجتمع العربي الاشتراكي الموحد .
غازي الصوراني
لمحة تاريخية:
تحددت التقسيمات الإدارية في فلسطين بستة ألوية[1] هي:
1- لواء القدس ويتألف من أقضية الخليل/القدس وبيت لحم/ورام الله.
2- لواء نابلس ويتألف من أقضية طولكرم/جنين/نابلس.
3- لواء اللد (يافا) ويتألف من قضائي يافا والرملة.
4- لواء حيفا ويتألف من قضاء حيفا.
5- لواء الجليل ويتألف من أقضية الناصرة / بيسان / طبريا / عكا / صفد.
6- لواء غزة ويتألف من قضائي غزة وبئر السبع.
وعلى الرغم من أن لواء غزة كان يشكل نسبة 51% من مساحة فلسطين البالغة 27009 كيلو متر مربع، وسكانه يشكلون نسبة 11% " (191000 نسمة) من مجموع سكان فلسطين البالغ (1.765000مليون نسمة)[2] "، إلا أن هذا اللواء كان من أفقر مناطق فلسطين ومن أقلها تطوراً، فلم يكن لمنطقة لواء غزة (غزة والسبع) أي دور هام في إطار الاقتصاد الفلسطيني نظراً لقلة مواردها الاقتصادية والطبيعية وافتقارها إلى أية منشآت صناعية ومؤسسات تجارية هامة.
1. قضاء غزة وقراه:
يحده من الغرب البحر الأبيض المتوسط، ومن الشمال قضاء الرملة ومن الشرق قضائي الخليل وبئر السبع ومن الجنوب صحراء سيناء وجميعه يقع في منطقة السهل الساحلي لفلسطين الذي ينتهي شمالاً بجبل الكرمل.
وقد ضم قضاء غزة عام 1896 (71قرية) وفي عام 1910 تم فصل 14 قرية ألحقت إلى عدد من الأقضية المجاورة، وبقي القضاء يضم 57 قرية حتى عام 1931 حيث فصلت أربع قرى منها المغار ويبنا وألحقت بقضاء الرملة الذي يحده من الشمال[3]. وفي أواخر الانتداب كان قضاء غزة يضم ثلاث مدن رئيسية وهي المجدل وغزة وخانيونس بالإضافة إلى 53قرية وبمساحة تقدر بـ1111.5كم مربع كان اليهود لا يملكون منها سوى 49 كيلو متر مربع أو ما يعادل 4.4% من مساحة القضاء.
وقرى قضاء غزة تتوزع بين شمالية ووسطى وجنوبية:
أ) القرى الشمالية وعددها أربع عشرة قرية:
أسدود / برقة / المسمية الكبيرة / المسمية الصغيرة / البطاني الغربي / البطاني الشرقي / القسطنيه /
تل الترمس / بين دراس / ياصور / السوافير الشرقي / السوافير الغربي / السوافير الشمالي / الجلادية.
القرى الوسطى وعددها سبع وعشرون قرية:
بعلين / صميل / جسير / الفالوجة / عراق المنشية / كراتيا / حته / عراق سويدان / بيت عفا / عبدس/ جولس / حمامه / حليقات / بيت طيمة / كوكبه / الجيه / بربره / نعليه / الخصاص / الجوره / هربيا / بيت جرجا / سمسم / نجد / برير / دير سنيد / دمره.
ب) القرى الجنوبية وعددها اثنتا عشر قرية:
رفح / بني سهيلا / عبسان / دير البلح / خزاعه / بيت لاهيا / النزله / جباليا / بيت حانون / هوج / الكوفخه / المحرقة.
"أما أكبر قرى القضاء من حيث التعداد السكاني فهي حمامه / الفالوجة / اسدود / جباليا/ بني سهيلا/ بيت دراس وقد بلغ مجموع سكانها في عام 1947 (23790 نسمة)، وأصغر القرى من حيث التعداد هي الخصاص / بعلين / عراق سويدان / الجلديه / حليقات / دمره ومجموع سكانها (1840 نسمة)[4].
وقد بلغ عدد سكان قرى قضاء غزة في بداية عام 1947 (85930 نسمة) نسبة المُلمِّين بالقراءة والكتابة منهم 17.5% أو (14831 رجلاً)[5].
أما عدد المدارس الحكومية فقد كان في قرى قضاء غزة حتى أوائل عام 1948 " (30 مدرسة) ابتدائية للذكور، و(7) مدارس ابتدائية للبنات وصف ثانوي واحد في مدرسة الفالوجة وبلغ عدد الطلاب المسجلين في نفس الفترة (6388 طالباً) و (336 طالبة)[6] " نسبتهم إلى عدد السكان 7.8%.
2. قضاء بئر السبع:
مساحة هذا القضاء تبلغ حوالي 12500 كيلو متر مربع معظمها أرض صحراوية قاحلة، ومدينة بئر السبع هي المدينة الوحيدة وعدد قراه سبع قرى هي جمامه / عبده / عوجا حفير / الخالصة / عسلوج / فوتيس / كرنب (أنشئ مفاعل ديمونة على أرض هذه القرية).
بلغ عدد سكان مدينة بئر السبع عام 1948 حوالي ستة آلاف نسمة منهم أكثر من 70% من مواطني مدينة غزة الذي رحلوا إلى السبع في بداية القرن العشرين ، وأسهموا في تطورها وتولوا معظم الأعمال التجارية والأعمال الحرفية فيها.
أما الأغلبية العظمى من سكان هذا القضاء ، فهم من البدو الذين كانوا يعيشون على تربية الماشية والزراعة، وفي ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية بالغة السوء، فعلى صعيد الحياة اليومية لم يكن من السهل توفر الحد الأدنى من متطلبات المعيشة، سواء فيما يتعلق بالغذاء أو المسكن أو العلاج.
كما ازدادت أزمة البدو تفاقماً بعد أن توسعت المنظمات الصهيونية في شراء قطع محدودة من الأراضي من بعض شيوخ القبائل، مما دفع عدداً منهم إلى هجر البادية والنزوح إلى "شرق الأردن وسوريا والجزيرة العربية"[7] وسيناء ومعظمهم اتجه إلى المدن للعمل فيها بأجور لا تكاد تسد حاجتهم للغذاء فقط.
من ناحية أخرى فقد توفرت الإمكانات المادية لعدد كبير من رؤساء القبائل والمشايخ المتنفذين الذين سبق أن قاموا بتسجيل مساحات كبيرة من الأراضي لحسابهم بعد أن كانت مشاعاً للجميع مما حرم الأغلبية الساحقة من البدو من حقهم في المشاع المشترك، ورغم "التمايز الطبقي" بين القمم القبلية والسواد الأعظم من البدو الذي تحملوا شظف العيش وقسوته وكان ذلك أمراً "طبيعياً" لا يجوز الاعتراض عليه. ورغم ذلك فقد أدى سوء أحوال البدو إلى انخراطهم في المعارك الوطنية التي قادها عدد من المشايخ ضمن قيادة الحركة الوطنية آنذاك، وبرز دورهم بشكل خاص في مساندة المعتقلين الوطنيين في معتقل عوجا حفير، والمشاركة الفعلية في المقاومة مع بداية الأربعينات وما تلاها.
بلغ تعداد البدو في عام 1948 حوالي 93000 ألف نسمة موزعين على خمس قبائل رئيسية وقبيلتين ثانويتين، ومجموع أفخاذ هذه القبائل حوالي (75) فخذاً [8] :
1- قبيلة الترابين وتتكون من عشرين عشيرة وتعدادها 32500 نسمة .
2- قبيلة التياها وتتكون من 26 عشيرة وتعدادها حوالي 25000 ألف نسمة.
3- قبيلة العزازمة وتتكون من 10 عشائر وتعدادها حوالي 16500 نسمة.
4- قبيلة الجبارات وتتكون من 13 عشيرة وتعدادها حوالي 8000 نسمة.
5- قبيلة الحناجرة وتتكون من 4 عشائر وتعدادها حوالي 7500 نسمة.
6- قبيلة السعيديون وتتكون من 4 عشائر (حويطات الأصل) 1700 نسمة.
7- قبيلة اللحيوات وتعدادها حوالي 1600 نسمة.
الأوضاع الاجتماعية في قضاء غزة قبل عام 1948:
تميزت الأوضاع الاجتماعية في قضاء غزة قبل عام 1948 بانقسام المجتمع إلى طبقتين رئيسيتين هما كبار الملاكين شبه الإقطاعيين والفلاحون بشكل عام، وفيما بينهما تواجد هامش ضئيل من الحرفيين وصغار التجار وصغار الموظفين، أما العمال فلم يتجاوز عددهم الستمائة عامل توزعوا على عدد من المنشآت الصناعية اليدوية ومعامل الصابون والأغذية والفخار والنسيج.
لقد كان التمايز الطبقي في فلسطين عموماً وفي قضاء غزة على وجه الخصوص بالغ القسوة إذ أن العلاقة بين الإقطاعي والفلاح في قرى غزة عموماً كانت أقرب إلى علاقة السيد بالعبد ولم تتأثر بمجمل التطور الاجتماعي – الاقتصادي في المدن الفلسطينية الأخرى.
كان أكثر من 30% من الفلاحين في قضاء غزة لا يملكون أرضاً، واضطروا للعمل في بيارات كبار الملاكين (الأفندية) كأُجراء موسميين بأجرة يومية كانت تقل أحياناً عن خمسة قروش عدا ما كان يتعرض له هؤلاء الأُجراء من معاملة تميزت بالقسوة والإزدراء، كذلك كان ما يقرب من 50% من فلاحي القضاء يملكون قطعاً صغيرة من الأرض (10 دونمات فأقل) لا تقيم أود عائلاتهم ولم تكن علاقة هؤلاء بالسيد الإقطاعي تتميز كثيراً عن إخوانهم الأُجراء الزراعيين.
ومع ارتفاع أسعار الأراضي في الثلاثينات إلى ثلاثة عشر ضعفاً عما كانت عليه قبل الحرب العالمية الأولى، اندفع كبار الملاكين في فلسطين بشكل عام وفي قضاء غزة بشكل خاص إلى التسابق من أجل تأسيس البيارات على حساب المزيد من استغلال فقراء الفلاحين وإجبارهم على بيع ما يملكون أو معظمه بوسائل متعددة لم تكن مشروعة في معظمها لكن بساطة الفلاح في بلادنا وعفويته وإيمانه الشديد بالقدرية والغيبيات وخوفه من إرهاب السلطة وكبار الملاكين وعدم قدرته على سداد ديونه كل ذلك أسهم في زيادة استحواذ "الأفندية" في قضاء غزة على معظم أراضي القضاء إلى درجة أن بعض هذه القرى في معظمها كانت ملكاً خالصاً للإقطاعي الذي استند دوماً إلى جبروت القوة الظالمة واللامشروعة.
"وحتى عام 1948 بلغت ملكية الأراضي في لواء غزة العائدة إلى 28 شخصاً من قضائي غزة وبئر السبع مليونين من الدونمات، كانت ملكية (11) شخصاً منهم (100)ألف دونم لكل فرد وتراوحت ملكية (7) أفراد منهم بين (30) ألف و (100) ألف دونم"(10)، إنهم لم يمتلكوا فقط قرى بحالها، وإنما امتد نفوذهم وسلطتهم إلى قرى أخرى لا يملكونها" .
ومن الثوابت الجديرة بالتسجيل والتأمل في تاريخ نضال شعبنا الفلسطيني أن الفلاحين الفلسطينيين كانوا وقود الثورة الفلسطينية قبل عام 1948، ولم يكن غريباً أن ينجب الريف الفلسطيني خيرة مقاتلي الثورة الذين كانوا بحق هم المحرك اليومي والفعلي للعمل الثوري ضد الانتداب والحركة الصهيونية، في حين لم يكن كبار الملاك (الأفندية) سوى واجهة هشة تصدرت قيادة الحركة الوطنية ضمن آفاق محددة لم تكن تلتقي مع آفاق وتطلعات الجماهير الثورية وكان دورها – على الأغلب – هو امتصاص وتهدئة الحالة الثورية لدى فقراء بلادنا، وكان هذا الدور منسجماً مع وضعها الطبقي ومصالحها وعلاقاتها مع القوى الرجعية العربية وغيرها.
البورجوازية الصغيرة:
نظراً للعلاقات الاجتماعية شبه الإقطاعية السائدة في قضاء غزة في هذه المرحلة فإن حجم الطبقة البرجوازية الصغيرة كان محدوداً وكانت في معظمها من صغار الحرفيين والموظفين والمهنيين المرتبطين بشكل أو بآخر بالقاعدة المادية الإنتاجية لكبار الملاكين، بكل متطلباتها السياسية والأخلاقية والعملية، والمعروف أن أبناء هذه "الطبقة" لم يمارسوا دوراً مميزاً في الأحزاب السياسية الوطنية الفلسطينية، والتحق بعضهم في غزة ضمن عدد من الأحزاب التقليدية الوطنية والمعارضة، كذلك اتجه قسم منهم إلى "الالتحاق ببعض المنظمات شبه العسكرية التي تشكلت في فلسطين مثل (الفتوة) و(النجادة) في حين انجذبت أقلية من البورجوازية الصغيرة إلى المنظمة الماركسية (عصبة التحرر الوطني)"[9].
البورجوازية الكبيرة: ]الزراعية التجارية[
رغم التطور الاجتماعي الذي أصاب بعض المدن الفلسطينية (يافا – حيفا – عكا – القدس – الناصرة) وأسهم في تراجع العلاقات الإقطاعية بعد أن توفرت بعض مقومات العلاقات الرأسمالية التبعية، التي اعتمدت في نشوئها على تصدير المنتجات الزراعية بحيث أسهم ذلك في تحول الزراعة (خصوصاً الحمضيات) إلى زراعة مكثفة اعتمدت على رأس المال والسوق العالمي والبنوك والقروض والأساليب الحديثة مما أدى إلى تطوير العلاقات الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني باتجاه التكيف مع العلاقات الرأسمالية المشوهة الجديدة، وفي هذا المجال برزت البورجوازية الزراعية والتجارية وغيرها بصورة كبيرة في المدن المذكورة أعلاه، وساهمت بدورها في العمل الوطني ضد عدد من الأحزاب في تلك المرحلة.
أما في قضاء غزة فنلاحظ ضعف التركيبة الطبقية للبورجوازية التجارية والزراعية في هذه المنطقة نظراً لهيمنة كبار الملاكين التقليديين باعتبارهم الطبقة السائدة بلا منازع، ولم تكن بدايات نمو هذه الطبقة البورجوازية فيما بعد سوى امتداد مباشر وميكانيكي لكبار الملاكين بحيث أن العلاقة العضوية بينهما استمرت في القطاع حتى ما بعد منتصف الخمسينات.
ومن الدلالات الهامة أن نواة البورجوازية في بلادنا – وفي العالم الثالث عموماً – لم تتشكل في داخل البنية الاجتماعية التحتية، ولم تكن نقيضاً للطبقة السائدة (شبه الإقطاعية) بل كانت امتداداً "عصرياً" لها، وتابعاً مخلصاً للسوق الرأسمالي العالمي عبر تطورها إلى بورجوازية كومبرادورية.
الإدارة المصرية والقطاع (1948-1955)
على أثر اتفاقية الهدنة الموقعة في ردوس بين الوفدين الإسرائيلي والمصري بتاريخ 24شباط/1949، تحددت "خارطة" منطقة غزة، وبدأ فصل جديد من حياة شعبنا الفلسطيني، فبعد أن كانت هذه المنطقة تعرف بلواء غزة والتي ضمت أربع مدن وستين قرية وبمساحة تبلغ (13688 كيلو متر مربع) أصبحت تعرف باسم "المناطق الخاضعة لرقابة القوات المصرية في فلسطين" وتضمنت فقط مدينتين هما غزة وخانيونس وتسع قرى هي جباليا / والنزلة / بيت لاهيا / بيت حانون / دير البلح / بني سهيلة / عبسان الكبيرة والصغيرة / خزاعة / رفح وعلى مساحة من الأراضي لا تتجاوز 365 كيلو متر مربع تمثل نسبة 20.6% من أراضي لواء غزة وبنسبة 1.35% من أراضي فلسطين.
أما اصطلاح "قطاع غزة" فقد ظهر رسمياً منذ أوائل شهر كانون الثاني 1954 في "قرار[10] رئيس الجمهورية المصرية اللواء محمد نجيب، الذي يقضي بتعيين الأميرالاي عبد الله رفعت حاكماً إدارياً لقطاع غزة" ضمن حدوده "الجديدة" التي تبدأ من قرية رفح جنوباً إلى بيت حانون شمالاً بطول حوالي 48 كيلو متر وعرض يتراوح بين 6-9 كيلو متر.
وقد قدر عدد سكان القطاع في عام 1944 بحوالي (63250 نسمة) وفي عام 1948 بحوالي (90ألف نسمة)، تضاعف هذا العدد ثلاث مرات بعد أن تدفق إلى القطاع أثناء الحرب وبعدها مباشرة أكثر من 200 ألف لاجئ من مدن وقرى فلسطين المختلفة وفي عام 1952 قدر عدد سكان القطاع بـ 294603 ألف نسمة منهم 201173[11] ألف من اللاجئين.
وقد توزع اللاجئون الفلسطينيون في القطاع على ثمانية مخيمات [12]:
1- مخيم جباليا: ويقع شمال شرقي قرية جباليا وقد أنشئ عام 1954 على أرض مساحتها 500 دونم، وقد بلغت مساحته عام 2012 حوالي 1300 دونم .
2- مخيم الشاطئ: أنشئ عام 1954 على أرض مساحتها 450 دونماً على الشاطئ الشمالي لمدينة غزة وقد تضاعفت مساحته فيما بعد، حيث بلغت عام 2012 حوالي 750 دونم.
3- مخيم البريج: مساحته 350 دونماً، جنوب مدينة غزة بمسافة ثمانية كيلو مترات شرق الطريق الرئيسي.
4- مخيم النصيرات: ويقع إلى الغرب من الطريق الرئيسي مقابل مخيم البريج، مساحته 280دونم. وقد بلغت مساحته عام 2012 حوالي 780 دونم .
5- مخيم المغازي: يقع إلى الجنوب من مخيم البريج بحوالي كيلو متر واحد ومساحته 180 دونم. وقد بلغت مساحته عام 2012 حوالي 560 دونم .
6- مخيم دير البلح: يقع غربي قرية دير البلح ومساحته 150 دونماً. وقد بلغت مساحته عام 2012 حوالي 175 دونم .
7- مخيم خانيونس: ويقع إلى الغرب من مدينة خانيونس باتجاه شاطئ البحر مساحته في حدود 500 دونم. وقد بلغت مساحته عام 2012 حوالي 1180 دونم .
8- مخيم رفح: مساحته 700 دونم. وقد بلغت مساحته عام 2012 حوالي 1075 دونم ......الى الحلقة الثانية : حول الأوضاع الاقتصادية/الاجتماعية في القطاع بعد النكبة....